/ الفَائِدَةُ : (19) /
18/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حدّ ماهيَّة الإِمام وإِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / ان ما ورد في بيانات الوحي ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأَمر إِلٰهيّ ، وروح قدسي ، ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذَّات ، إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة المودعة في الهياكل البشريَّة ...»(1). براهين وحيانية واردة لبيان وتعريف ماهيَّة وحقيقة الإِمام من أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وقد أَخذ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في هذا البيان الشريف ثلاث طبقات أَساسيَّة من ماهيَّته وحقيقته عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَحدها : الطَّبقات النَّازلة والمُتمثِّلة بالجنبة البشريَّة ؛ فهو يأكل الطَّعام ، ويمشي في الأَسواق ... . وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : «... الإِمام ... بشر ... في الهياكل البشريَّة ...». الأُخرىٰ : الطَّبقات المتوسِّطة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الملائكيَّة السَّماوية ، والعوالم الروحانيَّة . وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « ... الإِمام ... ملكيّ ، وجسد سماويّ ... وروح قدسيّ ... فهو ملك الذَّات ... ». الثَّالثة : الطَّبقات الصَّاعدة ، والمُتمثِّلة بالجنبة الإِلٰهيَّة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، وعلل الوجود : (الغائيَّة والفاعليَّة) ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات ، المُنعكسة في هذه الطَّبقات جميع الأَسماء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة . وإِلى هذه الطَّبقة أَشار بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « ... الإِمام ... البحر الَّذي لا ينزف ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... ظاهره أَمر لا يُمْلك ، وباطنه غيب لا يُدرك ... وأَمر إِلٰهيّ ... ومقام عَلِيّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفيّ ، فهو ... إِلٰهيّ الصِّفات ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللّٰـه المخزون ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... والأَسرار الإِلٰهيَّة... ». وإِلى هذه الطَّبقات الثلاث أَشارت بيانات القرآن الكريم أَيضاً. فلاحظ : أَوَّلاً : بيان قوله جلَّ جلاله : [ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ](2)(3) فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثانية والأُولىٰ. ثانياً : بيان قوله جلَّ وعلا : [ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ](4) فإِنَّه مُشير إِلى الطَّبقة الثَّالثة ، فإِنَّ ضمير (هو) عائد إِلى (صاحبكم) و (نطقه) أَي : إِلى ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وقد عبَّرَ (جلَّ شأنه) عنها بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والإِستمرار التَّأبيدي ، الدالُّ على أَنَّ ذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بحر وحي زخَّار لا نهاية ولا إِنقطاع له أَبداً ، من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي في حقِّ طبقات حقيقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ المتوسطة : أَنَّه كان في العوالم السَّابقة نبيّاً ورسولاً لكُلِّ الأَنبياء عَلَيْهم السَّلاَمُ ، بل ولمطلق المخلوقات. فانظر: 1ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : «كنتُ نبيّاً وآدم بين الماء والطين» أَو «بين الرُّوح والجسد»(5). 2ـ بيان الإِمامين الباقر والصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهما : «إِنَّ اللّٰـه خلق الخلق وهي أَظلَّة ، فأرسل رسوله مُحمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فمنهم مَنْ آمن به ، ومنهم مَنْ كذَّبه ، ثُمَّ بعثه في الخلق الآخر فآمن به مَنْ كان آمن به في الأَظلَّة ، وجحده مَنْ جحد به يومئذ ، فقال: [ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ](6)»(7). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن المفضَّل بن عمر ، قال : «... يا مفضَّل ، أَمَا علمتَ أَنَّ اللّٰـه (تبارك وتعالىٰ) بعث رسول اللّٰـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وهو روح إِلى الأَنبياء وهم أَرواح قبل خلق الخلق بأَلفي عام ؟ قلتُ : بلىٰ ، قال : أَمَا علمتَ أَنَّه دعاهم إِلى توحيد اللّٰـه وطاعته واتِّباع أَمره ووعدهم الجنَّة على ذلك وأَوعد مَنْ خالف ما أَجابوا إِليه وأَنكره النَّار ؟ قلتُ : بلىٰ ...»(8). 4ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «ما بعث اللّٰـه نبيّاً أَكرم مِنْ مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وَلَا خلق اللّٰـه قبله أَحَداً ، وَلَا أَنذر اللّٰـه خلقه بأَحدٍ من خلقه قبل مُحمَّد ، فذلك قوله تعالىٰ : [ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ](9)، وقال : [ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ](10) فلم يكن قبله مُطاع في الخلق ، ولا يكون بعده إِلى أَنْ تقوم السَّاعة ، في كُلِّ قرنٍ إِلى أَنْ يرث اللّٰـه الأَرض وَمَنْ عليها »(11). ودلالة الجميع واضحة. ثُمَّ إِنَّ صفة : (عدم تناهي وحي ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) لم يثبتها القرآن الكريم لأَحدٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قطُّ ، بل ولم يثبتها لنفسه(12)، فإِنَّه عبَّرَ عنها بصيغة الماضي (أَوحينا) ، الدَّالَّة على التناهي. فلاحظ : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ](13). ثالثاً : بيان قوله علا ذكره : [ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ](14)، فإِنَّه مُشيرٌ إِلى الطَّبقة الأُولىٰ والثَّالثة ، وعبَّرَ عن الثَّالثة أَيضاً بصيغة المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتجدُّد والإِستمرار التَّأبيدي ، كما تقدَّم . إِنْ قلتَ : إِنَّ هذه البيانات الوحيانيَّة الشَّريفة أَخَصُّ من المُدَّعىٰ ؛ فإِنَّها واردة لبيان حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وكلامنا في بيان حقيقة وماهيَّة الإِمام من مُطلق أَهْل الْبَيْتِ : سيِّد الأَنبياء وسائر أَئمَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . قلتُ : إِعتقاد الإِماميَّة ، ومن الأُصول الموضوعيَّة المُسلَّمة عندنا نحن الإِماميَّة ، بل وما صرَّحت به بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ ما كان ثابتاً لسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من مقاماتٍ وشؤونٍ وأَحوالٍ ومناقبٍ وفضائلٍ وكمالاتٍ إِلٰهيَّة ثابتة لسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من دون فرق إِلَّا ما خرج بالدَّليل: (النُّبُوَّة والأَزواج) ، وبقي الباقي على حاله ، منه هذا المقام والمنقبة والشَّأن والفضيلة والكمال الإِلٰهيّ. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « كُلُّ ما كان لمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فلنا مِثله إِلَّا النُّبوَّة والأَزواج »(15). ودلالته واضحة. / وحي الإِمامة الإِلهيَّة وحيُ علمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة/ ثُمَّ إِنَّ هذا النحو من الوحي الَّذي تتمتَّع به حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ليس وحي نبوَّة بتوسُّط جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَو غيره ، وإِنَّما وحي إِمامةٍ إِلٰهيَّة وعلمٌ لدنِّيٌّ من دون واسطة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن صالح بن سهل ؛ قال : «كُنتُ جالساً عنده فقال لي ابتداء منه : يا صالح بن سهل ، إِنَّ اللّٰـه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ولم يجعل بينه وبين الإِمام رسولاً ، قال : قلتُ : وكيف ذاك ؟ قال: جعل بينه وبين الإِمام عموداً من نورٍ ينظر اللّٰـه به إِلى الإِمام ، وينظر الإِمام به إِليه ، فإِذا أَراد علم شيء نظر في ذلك النُّور فعرفه»(16). ودلالته واضحة . وعليه : تكون حقيقة وماهيَّة سيِّد الأَنبياء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بحور وحي غيرمتناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور طمطامة ومهولة . / إِقصاء الفلاسفة ومَنْ شاكلهم لرجالات الوحي / / اِنكفاء أَصحاب المذاهب الإِسلاميَّة عن أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ ومنه يتَّضح : أَنَّه بعدما لم يكن الأَنبياء والأَوصياء عَلَيْهم السَّلاَمُ خارجين عن دائرة البشريَّة فلماذا يَقصي كلامهم الفلاسفة ومَنْ جرىٰ على شاكلتهم ، بل هذه المُؤآخذة تُسجَّل أَيضاً على أَصحاب المذاهب الإِسلاميَّة ؛ فإِنَّهم انكفؤوا ولم يتعاطوا مع أَهْل الْبَيْتِ الأَطهار صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كما تعاطوا مع غيرهم(17)، مع أَنَّ مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ منفتحة على الجميع ، وتلك كُتُبنا مملوءة بأَقوال أَصحاب المذاهب ، بل هناك أَقوال لهم لم تُحفظ إِلَّا في كُتُب أَصحابنا ، كـ : كتاب : (الخلاف) ، و (التبيان) للشَّيخ الطُّوسي ، و(مجمع البيان) للطبرسي ، وهذا خير دليل على انفتاح مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وأَتباعهم. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (2) الأنعام : 8 ـ 9. (3)لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات إِلى أَنَّ سورة الأَنعام من أَوَّلها إِلى آخرها انفجارات عقائديَّة ومعرفيَّة ، وتحوي على أُس العقائد. (4) النجم : 1 ـ 4. (5) بحار الأَنوار ، 18 : 278. (6) يونس : 74. (7) بحار الأَنوار ، 5 : 259/ح64. (8) المصدر نفسه ، 39 : 194 ـ 195/ح5. علل الشرائع : 65. (9) النجم : 56. (10) الرعد : 7. (11) بحار الأَنوار ، 16 : 371/ح82. (12) مرجع الضمير المُستتر في (يثبتها) ، والضمير المُتَّصل في (لنفسه) : القرآن الكريم. (13) الشورى : 52. (14) الكهف : 110. (15) بحار الأَنوار ، 26 : 317/ح83. (16) بصائر الدرجات ، 2 : 340 ـ 341/ح1571 ـ 2. (17) توجد لدىٰ أَهل الخلاف كُتُب حديثيَّة وكُتُب تفسيريَّة ـ كتفسير الثعلبي ـ وكُتُب دورات رجاليَّة مخطوطة كثيرة ختموا عليها بعدم الطَّبع ؛ لإِحتوائها على ذكر وفضائل وتراجم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ورواة وفقهاء مَدْرَسَتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهذا من الأُمور الخطيرة (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) لإِبادة السُّنَّة الشَّريفة